جاءت موافقة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس والمبعوث الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا على حضور مؤتمر سوتشي المزمع انعقاده في 29- 30 من الشهر الحالي بمشاركة أكثر 1600 شخصية من مختلف توجهات المكون السوري.
إن حضور غوتيريش ودي ميستورا مؤتمر سوتشي بصفة ممثل الأمم المتحدة ينمّ عن خوف متزايد من إمكانية نجاح مؤتمر سوتشي في سحب البساط من تحت أقدام الدول التي تدير لعبة مقررات مؤتمر جنيف خصوصاً بعد انكشاف أهداف مؤتمر جنيف الآيلة إلى تنفيذ أجندات الدول المشاركة في المؤامرة الكونية على سورية.
صحيح أن الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف صرح بأن مؤتمر سوتشي لن يخرج بمقررات حل سياسي للأزمة السورية بيد أنه قال إن سوتشي سيشكل واحة حوار بناء لإيجاد مسوغ قد يسهم في إيجاد الأرضية الصالحة للولوج في الحل السياسي.
إن الأزمة السورية باتت متأرجحة بين مؤتمرات عدة من جنيف إلى فيينا إلى أستانا وصولا إلى سوتشي ومن الواضح أن لكل مؤتمر أجندته الخاصة، فمثلاً مؤتمر أستانا بضمان دول مؤثرة في مجريات الأحداث الميدانية والعسكرية في سورية بشكل مباشر مثل روسيا وإيران وتركيا وبموافقة من الدولة السورية نجح في وضع إطار خفض التوتر في مناطق سورية عدة.
أما مؤتمر جنيف ورغم انعقاده برعاية الأمم المتحدة فإن الدول المؤثرة بشكل مباشر في الجهات التي تفاوض الدولة السورية هي نفسها تلك الدول التي شاركت بحَبكْ المؤامرة على سورية مثل أميركا والسعودية وتركيا وقطر وتركيا وجميعها خاضعة أصلاً للإملاءات الأميركية الرافضة لأي حل للأزمة السورية.
من الواضح أن نجاح مؤتمر أستانا لا يروق للدول التي تؤيد مقررات مؤتمر جنيف ولم يعد خافياً سعي تلك الدول لإعاقة أي نجاح أو تقدم باتجاه حل سياسي في سورية وبدا ذلك جلياً من خلال وجود قواعد عسكرية أميركية على الأرض السورية، مهمتها تسليح وتدريب التنظيمات الإرهابية وإقامة مناطق منفصلة عن الدولة المركزية في سورية وإعادة توجيه الاتهام للسلطات السورية باستعمال الأسلحة الكيميائية من دون أي مسوغ قانوني أو من خلال إعادة الحديث عن الفترة الانتقالية في سورية من دون الرئيس بشار الأسد أو من خلال إرباك وإشغال روسيا في فرض المزيد من العقوبات عليها وإعادة فتح ملف أوكرانيا أو من خلال إشغال إيران بفتنة إثنية عرقية داخلية تجلت بأحداث إيران الأخيرة.
تبقى تركيا أردوغان اللاعب المتأرجح بين الحاجة لإيران وروسيا وبين التماهي مع أهداف الحليف الأميركي ليتبين لنا الدور التركي المتواطئ رغم تبرئة بوتين لها من الهجوم المفاجئ على قاعدتي حميميم وطرطوس بطائرات مسيرة.
إن الحرب العسكرية التركية على معاقل الأكراد في سورية بحجة محاربة الإرهاب ليست إلا سيناريوهاً جديداً لأجندة أميركية مشتركة مع تركيا، هدفها السعي إلى تقسيم سورية وتقاسم النفوذ فيها بين الجانبين التركي والأميركي.
إن من يعتقد أن تركيا وأميركا تختلفان في سورية فهو واهم لأن هدفهما المشترك هو إطالة الحرب في سورية.
مؤخراً اجتمعت دول ست في واشنطن هي أميركا- فرنسا- الأردن- السعودية- والإمارات- إضافة إلى بريطانيا والهدف إصدار وثيقة غير رسمية تناقش بنود دستور جديد للجمهورية العربية السورية.
إن هدف إبراز مضمون هذه الوثيقة في هذا الوقت بالذات هو السعي لإفشال مؤتمر سوتشي وتوجيه صفعة مسبقة لنتائجه المرتقبة.
واللافت أن تلك الدول الست هي نفسها الدول التي نفذت وموّلت المؤامرة الكونية على سورية.
وهنا يبرز السؤال:
من الجهة التي فوضت تلك الدول بالوصاية على الدولة والشعب في سوريه؟
ألا يعتبر ما قامت به تلك الدول الست خرقاً فاضحاً للقانون الدولي الذي أقر عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المستقلة وضرورة احترام سيادة واستقلال الدول؟
ألا يعتبر ما قامت به الدول الست تدخلاً سافراً في شؤون سورية الداخلية واغتصاباً لإرادة الشعب السوري وتعدياً سافراً على سيادة سورية.
إن تلك الوثيقة الصادرة عن الدول الست في واشنطن تعتبر وثيقة مخالفة لكل القوانين والشرائع الدولية واعتداء غاشماً على سيادة واستقلال بلد مثل سورية.
إن أي مناقشة لوضع دستور جديد في سورية لا يمكن البحث فيه قبل تحرير كامل التراب السوري من الإرهاب الذي أرسل وتم زرعه في سورية بدعم وتمويل من الدول الست صاحبة الوثيقة نفسها ولا يحق لأي جهة في الكون كله مناقشة أو وضع بنود دستور سوري إلا الجهات السورية الرسمية القانونية وذلك بعد استفتاء وموافقة الشعب السوري وحده لا شريك له.
إن المؤامرة التي فجرت الحرب السورية صارت من الماضي ونستطيع القول إن الحرب السورية وضعت أوزارها، أما ما يجري اليوم فهو صراع دول يهدف إلى تأمين النفوذ والمصالح في المنطقة انطلاقاً من الأرض السورية.
إنها ليست مجرد حرب عسكرية تخاض على وطن عربي اسمه سورية.
إن ما يحاك لسورية العربية لهو أكبر من مجرد حرب عسكرية إنها صراع على المنطقة العربية إنها حرب فكرية عقائدية تستهدف هويتنا وثقافتنا وحضارتنا وقيمنا وانتمائنا للعروبة إنها حرب هادفة إلى تمزيق روابط مجتمعنا وإخضاعه لنظام أو لدستور جديد بهدف جعله مجتمعاً منفصلاً مفتتاً تائهاً متلقياً تابعاً ومسيرا
نخلص للقول إن أميركا وحلفاءها في المنطقة تعمل وبكل جهد على استمرار الأزمة السورية لأطول مدة ممكنة لاستنزاف سورية وإبقائها متأرجحة بين صراع المؤتمرات بانتظار تحديد مصالح ونفوذ الدول في سورية والمنطقة.